سورة آل عمران
سورة آل عمران
قال المفسرون: قدم وفد نجران وكانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم
فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح
والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم
وصاحب مدارسهم وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم وكانت ملوك الروم
قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده فقدموا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبات وأردية في جمال رجال
الحارث بن كعب يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا
وفداً مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم فصلوا إلى المشرق فكلم السيد والعاقب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما
فقالا: قد أسلمنا قبلك قال: كذبتما منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما
الصليب وأكلكما الخنزير قالا: إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعاً في
عيسى فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه
أباه قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى أتى عليه الفناء
قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه قالوا: بلى قال:
فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً قالوا: لا قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء
وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه
كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبي ثم كان يطعم
ويشرب ويحدث قالوا: بلى قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم فسكتوا فأنزل الله عز وجل
فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها.
قوله (قُل للَّذينَ كَفَروا سَتُغلَبونَ) الآية قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس: إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله المشركين يوم بدر: هذا والله النبي
الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته وصفته وإنه لا ترد له راية فأرادوا
تصديقه واتباعه ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان
يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا وقالوا: لا والله ما هو به
وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد
إلى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً إلى أهل مكة أبي
سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة ثم رجعوا إلى
المدينة فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر
فقدم المدينة جمع اليهود وقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم
بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في
كتابكم وعهد الله إليكم فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم
لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله
تعالى (قُل لِلَّذينَ كَفَروا) يعني اليهود (سَتُغلَبونَ) تهزمون (وَتُحشَرونَ إِلى
جَهَنَّمَ) في الآخرة هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس.
قوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) قال الكلبي: لما ظهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة
قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان
فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت فقالا له: أنت محمد
قال: نعم قالا: وأنت أحمد قال: نعم قالا إنا نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا بها
آمنا بك وصدقناك فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلاني فقالا: أخبرنا عن
أعظم شهادة في كتاب الله فأنزل الله تعالى على نبيه (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ
إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولوا العِلمِ) فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صلى
الله عليه وسلم.
قوله (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أُوتوا نَصيباً مِّنَ الكِتابِ) الآية اختلفوا في
سبب نزولها فقال السدي: دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فقال له
النعمان بن أدفى: هلم يا محمد نخاصمك إلى الأحبار فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: بل إلى كتاب الله فقال: بل إلى الأحبار فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدارس على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد:
على أي دين أنت يا محمد فقال: على ملة إبراهيم قالا: إن إبراهيم كان يهودياً فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي نزلت في قصة اللذين زنيا من خيبر وسؤال اليهود للنبي صلى الله عليه
وسلم عن حد الزانيين وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى قوله (قُل
اَللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ) الآية قال ابن عباس وأنس بن مالك: لما افتتح رسول الله
صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود: هيهات
هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمداً مكة
والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين
أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن
قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس
والروم في أمته فأنزل الله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ
مَن تَشاءُ) الآية.
حدثنا الأستاذ أبو الحسن الثعالبي أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان أخبرنا محمد بن
جعفر الميطري قال: قال حماد بن الحسن: حدثنا محمد بن خالد بن عتمة حدثنا كثير بن
عبد الله بن عمرو بن عوف قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه
وسلم على الخندق يوم الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً. قال عمرو بن عوف: كنت
أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً
فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت
علينا فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة
فإما أن نعدل عنها وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه قال: فرقى
سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال: يا رسول
الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقته علينا حتى ما يحيك
فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون
فيه فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان
بينهم في الجاهلية من العداوة فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله
مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال: اعمد إليهم
فاجلس معهم ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار
وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل
فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس بن قيظي أحد
بني حارثة من الأوس وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما
لصاحبه إن شئت رددتها جذعاً وغضب الفريقان جميعاً وقالا: ارجعا السلاح السلاح
موعدكم الظاهرة وهي حرة فخرجوا إليها فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على
دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج
إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين أتدعون الجاهلية
وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم
فترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً الله الله فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد
من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين فأنزل الله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا)
يعني الأوس والخزرج (إِن تُطيعوا فَريقاً مِّن الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) يعني
شاساً وأصحابه (يَرُدّوكُم بَعدَ إِيمانِكُم كافِرينَ) قال جابر بن عبد الله: ما
كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلينا بيده فكففنا
وأصلح الله تعالى ما بيننا فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فما رأيت يوماً أقبح ولا أوحش أولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم.
قوله (وَكَيفَ تَكفُرونَ) الآية. أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري قال: حدثنا محمد بن
يعقوب حدثنا العباس الدوري حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا قيس بن الربيع عن
الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: كان بين الأوس والخزرج شر في
الجاهلية فذكروا ما بينهم فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم فذكر ذلك له فذهب إليهم فنزلت هذه الآية (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى
عَلَيكُم آَياتُ اللهِ وَفيكُم رَسولُهُ) (وَاِعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً وَلا
تَفَرَقوا).
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدي محمد بن
الحسين قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال: حدثنا حاتم بن يونس
الجرجاني قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الليث قال: حدثنا الأشجعي عن سفيان عن خليفة بن
حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: كان الأوس والخزرج يتحدثون فغضبوا حتى كان بينهم
الحرب فأخذوا السلاح بعضهم إلى بعض فنزلت (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى
عَلَيكُم آَياتُ اللهِ) إلى قوله تعالى (فَأَنقَذَكُم مِّنها).
قوله (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ) الآية. قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود وأبي بن
كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا
اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعونا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله
تعالى هذه الآية.
قوله (لَن يَضُرّوكُم إِلّا أَذىً) قال مقاتل: إن رءوس اليهود كعب ويحرى والنعمان
وأبو رافع وأبو ياسر وابن صوريا عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه فآذوهم
لإسلامهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (لَيسوا سَواءً) الآية. قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام
وثعلبة بن سعنة وأسيد بن سعنة وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت أحبار اليهود:
ما آمن لمحمد إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم: لقد
خنتم حين استبدلتم بدينكم ديناً غيره فأنزل الله تعالى (لَيسوا سَواءً) الآية. وقال
ابن مسعود: نزلت الآية في صلاة العتمة يصليها المسلمون ومن سواهم من أهل الكتاب لا
يصليها.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد
الحيري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هاشم بن
القاسم قال: حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: إنه
ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم قال: فأنزلت هذه الآيات
(لَيسوا سَواءً مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ) إلى قوله (وَاللهُ
عَليمٌ بِالمُتَّقينَ).
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نوح قال: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال:
أخبرنا محمد بن المسيب قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا عبد الله بن وهب
قال: أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن زجر عن سليمان عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود
قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وكان عند بعض أهله أو
نسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع
فبشرنا فقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب وأنزلت (لَيسوا سَواءً مِّن
أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ آَياتِ اللهِ آَناءَ اللَّيلِ وَهُم
يَسجُدونَ).
قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا بِطانَةً مِّن دونِكُم) الآية.
قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون
رجلاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع فأنزل
الله تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم.
قوله (إِذ غَدَوتَ مِّن أَهلِكَ) الآية. نزلت هذه الآية ف ي غزوة أحد أخبرنا سعيد
بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال:
حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن ابن عون
عن المسعر بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خالي أخبرني عن قصتكم يوم أحد
فقال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد (وَإِذ غَدَوتَ مِّن أَهلِكَ تُبَوِّيءُ
المُؤمِنينَ) إلى قوله تعالى (ثُمَّ أَنزَلَ عَليكُم مِّن بَعدِ الغَمِ أَمَنَةً
نُّعاسًا).
قوله تعالى (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ) أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي
قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال:
حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا عبيدة بن حميد عن حميد الطويل عن أنس بن
مالك قال: كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ودمى وجهه فجعل الدم
يسيل على وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم قال:
فأنزل الله تعالى (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو
يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ).
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أحمد
بن علي بن المثنى قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد
قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلاناً وفلاناً فأنزل الله عز وجل (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ
عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ) رواه البخاري عن حيان عن ابن
المبارك عن معمر ورواه مسلم من طريق ثابت عن أنس.
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال:
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا مسلم بن الحجاج قال: حدثنا العقبي قال: حدثنا
حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد
وشج في رأسه وجعل يسيل الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو
يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله عز وجل (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ).
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا أبو حامد بن
الشرقي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري
عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الفجر حين رفع
رأسه من الركوع: ربنا لك الحمد اللهم العن فلاناً وفلاناً دعا على ناس من المنافقين
فأنزل الله عز وجل (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ) رواه البخاري من طريق الزهري
عن سعيد بن المسيب وسياقه أحسن من هذا.
أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال:
حدثنا الحر بن نصر قال: فروى علي بن وهب أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال:
أخبرني شعيب بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يفرغ في صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه
ويقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن
الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك
على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية عصت
الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك لما نزلت (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ
عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ) رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل
عن إبراهيم بن سعد عن الزهري.
قوله تعالى (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء:
نزلت الآية في نبهان الثمار أتته امرأة حسناء باع منها تمراً فضمها إلى نفسه وقبلها
ثم ندم على ذلك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت هذه الآية.
وقال في رواية الكلبي: إن رجلين أنصارياً وثقفياً آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بينهما فكانا لا يفترقان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وخرج معه
الثقفي وخلف الأنصاري في أهله وحاجته وكان يتعاهد أهل الثقفي فأقبل ذات يوم فأبصر
امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها فوقعت في نفسه فدخل ولم يستأذن حتى انتهى
إليها فذهب ليقبلها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحيا فأدبر
راجعاً فقالت: سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك قال: فندم على صنيعه
فخرج يسيح في الجبال ويتوب إلى الله تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي فأخبرته أهله
بفعله فخرج يطلبه حتى دل عليه فوافقه ساجداً وهو يقول: رب ذنبي قد خنت أخي فقال له:
يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل
لك فرجاً وتوبة فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل
جبريل عليه السلام بتوبته فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَالَّذينَ إِذا
فَعَلوا فاحِشَةً) إلى قوله (وَنِعمَ أَجرُ العامِلينَ) فقال عمر: يا رسول الله
أخاص هذا لهذا الرجل أم للناس عامة قال: بل للناس عامة. أخبرني أبو عمرو محمد بن
عبد العزيز المروزي إجازة قال: أخبرنا محمد بن الحسن الحدادي قال: أخبرنا محمد يحيى
قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا روح قال: حدثنا محمد عن أبيه عن عطاء: أن
المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أبنو إسرائيل أكرم على الله منا كانوا
إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجذع أذنك اجذع أنفك افعل كذا
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلك فقرأ هذه الآيات.
قوله تعالى (وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا) الآية. قال ابن عباس: انهزم أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل
المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا يعلون
علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر فأنزل
الله تعالى هذه الآيات وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين
حتى هزموهم فذلك قوله (وَأَنتُم الأَعلونَ).
قوله (إِن يَمسَسكُم قَرحٌ) الآية. قال راشد بن سعد: لما انصرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم كئيباً حزيناً يوم أحد جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها مقتولين وهي تلدم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهكذا يفعل برسولك فأنزل الله تعالى (إِن
يَمسَسكُم قَرحٌ) الآية.
قوله (وَما مُحمَّدٌ إِلّا رَسولٌ) الآيات. قال عطية العوفي: لما كان يوم أحد انهزم
الناس فقال بعض الناس: قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم فإنما هم إخوانكم وقال بعضهم:
إن كان محمد قد أصيب ألا ما تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به فأنزل الله
تعالى في ذلك (وما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُسُلُ) إلى (وَكأَيِّن
مِّن نَّبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أَصابَهُم في
سَبيلِ الله ِوَما ضَعُفوا) - لقتل نبيهم - إلى قوله (فَآتاهُمُ الله ُثَوابَ
الدُنيا).
قوله (سَنُلقي في قُلوبِ الَّذينَ كَفَروا الرُعبَ) الآية. قال السدي: لما ارتحل
أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنهم
ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم
ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا
عما هموا به وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَلَقد صَدَقَكُمُ اللهُ وَعدَهُ) الآية. قال محمد بن كعب القرظي: لما
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد قال
ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر فأنزل الله تعالى (وَلَقَد
صَدَقَكُمُ اللهُ وَعدَهُ) الآية إلى قوله (مِنكُم مَّن يُريدُ الدُنيا) يعني
الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد.
قوله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) الآية. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن
المطوعي قال: أخبرنا أبو عمرو بن محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أبو يعلى قال:
حدثنا أبو عبد الله بن أبان قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا شريك عن حصيف عن
عكرمة عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال أناس:
لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن
يَغُلَّ) قال حصيف: قلت لسعيد بن جبير: ما كان لنبي أن يغل فقال: بل يغل ويقتل.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب
الطبراني قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي قال: حدثنا أبو عمرو بن العلاء عن
مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ وما كان لنبي أن يُغَلَّ ويقول: كيف لا
يكون له أن يغل وقد كان يقتل قال الله تعالى (وَيَقتُلونَ الأَنبِياءَ) ولكن
المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله عز وجل
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ).
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأصفهاني
قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سلمة عن
الضحاك.
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة
وقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئاً فلما قدمت الطلائع قالوا: قسم الفيء ولم
يقسم لنا فنزلت (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) قال سلمة: قرأها الضحاك يغل.
وقال ابن عباس في رواية الضحاك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده
غنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال قتادة: نزلت
وقد غل طوائف من أصحابه وقال الكلبي ومقاتل: نزلت حين ترك الرماة المركز يوم أحد
طلباً للغنيمة وقالوا: نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئاً
فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى عن ابن عباس أن أشراف الناس استدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصصهم
بشيء من الغنائم فنزلت هذه الآية.
قوله (أَولَمّا أَصابَتكُم مُّصيبَةٌ) الآية. قال ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب
قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء
فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت
البيضة من رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى (أَوَلَمّا أَصابَتكُم
مُصيبَةٌ) إلى قوله (قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم) قال بأخذكم الفداء.
قوله (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً) أخبرنا محمد بن
محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجلالي قال: أخبرنا عبد الله
بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن
إسحاق عن إسماعيل بن أبي أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف
طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل
العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا أنا في الجنة
نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم
فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل
أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ). رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من طريق
عثمان بن أبي شيبة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا
حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس
فذكره رواه الحاكم عن علي بن عيسى الحيري عن مسدد عن عثمان بن أبي شيبة.
أخبرنا أبو بكر الحارثي حدثنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الحذاء
قال علي بن المديني قال: حدثنا موسى بن إبراهيم بن بشير بن الفاكه الأنصاري أنه سمع
طلحة بن حراش قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: مالي أراك مهتماً قلت: يا رسول الله قتل أبي وترك ديناً وعيالاً فقال:
ألا أخبرك ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحاً فقال: يا
عبدي سلني أعطك قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال: إنه قد سبق
مني أنهم إليها لا يرجعون قال: يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله تعالى (وَلا
تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) الآية.
أخبرني أبو عمرو القنطري فيما كتب إلي قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد
بن يحيى قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن سالم الأفطس عن
سعيد بن جبير (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل
أَحياءٌ) قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد ورأوا ما رزقوا
من الخير قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة
فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ
قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) إلى قوله (لا يُضيعُ أَجرَ
المُؤمِنينَ).
وقال أبو الضحى نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة. وقال جماعة من أهل التفسير: نزلت
الآية في شهداء بئر معونة وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي.
وقال آخرون: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا: نحن
في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور فأنزل الله تعالى هذه الآية
تنفيساً عنهم وإخباراً عن حال قتلاهم.
قوله (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) الآية. أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري
قال: أخبرنا شعيب بن محمد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال:
حدثنا روح قال: حدثنا أبو يونس القشيري عن عمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عله
وسلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون فاستجاب له سبعون رجلاً فطلبهم فلقي
أبو سفيان عيراً من خزاعة فقال لهم: إن لقيتم محمداً يطلبني فأخبروه أني في جمع
كثير فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن أبي سفيان فقالوا: لقيناه في جمع
كثير ونراك في قلة ولا نأمنه عليك فأبى رسول الله إلا أن يطلبه. فسبقه أبو سفيان
فدخل مكة فأنزل الله تعالى فيهم (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) حتى بلغ
(فَلا تَخافوهُم وَخافونِ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ).
أخبرنا عمر بن عمرو قال: أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا
محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا محمد قال: أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) إلى
آخرها قال: قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما أصاب وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال:
من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلاً كان فيهم أبو بكر والزبير.
قوله (الَّذينَ قالَ لَهُمُ الناسُ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا
أبو صالح شعيب بن محمد قال: أخبرنا أبو حاتم التميمي قال: أخبرنا أحمد بن الأزهر
قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذاك يوم أحد بعد القتل
والجراحة وبعد ما انصرف المشركون أبو سفيان وأصحابه قال نبي الله صلى الله عليه
وسلم لأصحابه: ألا عصابة تشدد لأمر الله فتطلب عدوها فإنه أنكى للعدو وأبعد للسمع
فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الأعراب
والناس يأتون عليهم فيقولون هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس فقالوا: حسبنا الله
ونعم الوكيل فأنزل الله تعالى فيهم (الَّذينَ قالَ لَهُمُ الناسُ إِنَّ الناسَ قَد
جَمَعوا لَكُم فاِخشُوهُم) إلى قوله (وَالله ُذو فَضلٍ عَظيمٍ).
قوله (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنينَ عَلى ما أَنتُم عَليهِ) قال السدي: قال
رسول الله صلى الله عليهم وسلم: عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم وأعلمت من
يؤمن لي ومن يكفر فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا: يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن
به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: قالت قريش: تزعم يا محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان
وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا
يؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن والمنافق فأنزل
الله تعالى هذه الآية.
قوله (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَبخَلونَ بِما آَتاهُمُ اللهُ) الآية. جمهور
المفسرين على أنها في مانعي الزكاة. وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت في أحبار
اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وأراد بالبخل: كتمان العلم
الذي آتاهم الله تعالى.
قوله (لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالوا) الآية. قال عكرمة والسدي ومقاتل
ومحمد بن إسحاق: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات يوم بيت مدارس اليهود فوجد
ناساً من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم
فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد
جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة فآمن وصدق وأقرض الله
قرضاً حسناً يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب فقال فنحاص: يا أبا بكر تزعم أن ربنا
يستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقاً فإن الله
إذا لفقير ونحن أغنياء ولو كان غنياً ما استقرضنا أموالنا فغضب أبو بكر رضي الله
عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك
لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد
انظر إلى ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما الذي
حملك على ما صنعت فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيماً زعم أن الله
فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله وضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص فأنزل الله عز وجل رداً على
فنحاص وتصديقاً لأبي بكر (لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالُوا) الآية.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن الليث
الروذباري قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد قال: نزلت في اليهود صك أبو بكر رضي الله عنه وجه رجل منهم وهو الذي قال: إن
الله فقير ونحن أغنياء قال شبل: بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال (يَدُ اللهِ
مَغلولَة).
قوله تعالى (الَّذينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلينا) الآية. قال الكلبي: نزلت
في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوه وفي فنحاص بن
عازوراء وحيي بن أخطب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تزعم أن الله بعثك
إلينا رسولاً وأنزل عليك كتاباً وإن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول
يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فأنزل
الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَلتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ
الَّذينَ أَشرَكوا أذىً كَثيراً) الآية.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال:
أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال:
حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه
وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان
يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان النبي صلى الله
عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون
أصحابه أشد الأذى فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك وفيهم
أنزل الله (وَلتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) الآية.
أخبرنا عمرو بن عمرو المزكي قال: أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال:
أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال:
أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب
على حمار على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وسار يعود سعد بن عبادة في بني الحرث
بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي وذلك قبل أن يسلم عبد
الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي
المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشى المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه
بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل
ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن
مما تقول إن كان حقاً فلم تؤذينا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه
فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك واستب
المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم
يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته وسار حتى دخل على سعد بن
عبادة فقال له: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال: كذا
وكذا فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد
جاء الله بالحق الذي نزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه
بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (وَلتَسمَعَنَّ مِنَ الَّذينَ
أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أَذىً كَثيراً) الآية.
قوله (لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا) الآية. أخبرنا أبو عبد الرحمن
محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو الهيثم المروزي قال: أخبرنا محمد بن يوسف
قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد
بن جعفر قال: حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من
المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما
لم يفعلوا فنزلت (لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا) الآية. ورواه مسلم
عن الحسن بن علي الحلواني على ابن أبي مريم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا
قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا محمد بن جهل قال: أخبرنا جعفر
بن عوف قال: حدثنا هشام بن سعد قال: حدثنا يزيد بن أسلم أن مروان بن الحكم كان
يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج فقال
مروان: يا أبا سعيد أرأيت قوله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما
أَتَوا وَّيُحِبّونَ أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلوا) والله إنا لنفرح بما أتينا
ونحب أن نحمد بما لم نفعل فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا وإنما كان رجال في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي فإذا كانت فيهم
النكبة وما يكره فرحوا بتخلفهم فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم وأحبوا أن أخبرنا
سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي
قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن
أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه: اذهب إلى ابن عباس وقل
له: لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب لنعذبن أجمعين فقال
ابن عباس: مالكم ولهذا إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء
فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم
وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ثم قرأ ابن عباس (وإِذ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ
الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلناسِ) رواه البخاري عن إبراهيم بن
موسى عن هشام. ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج كلاهما عن ابن جريج.
وقال الضحاك: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود
في الأرض كلها: إن محمداً ليس نبي الله فاثبتوا على دينكم واجمعوا كلمتكم على ذلك
فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ففرحوا بذلك وقالوا:
الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة
ونحن أولياء الله فذلك قول الله تعالى (يَفرَحونَ بِما أَتَوا) بما فعلوا
(وَيُحِبّونَ أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلوا) يعني بما ذكروا من الصوم قوله (إِنَّ
في خَلقِِ السَمَواتِ وَالأَرضِ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق المقري قال: أخبرنا عبد
الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي قال: حدثنا أحمد بن نجدة
قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي
المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا ما جاءكم به موسى
من الآيات قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى
فيكم فقالوا: يبريء الأكمه والأبرص ويحي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم.
فقالوا: ادع لنا ربك يجعل الصفا ذهباً فأنزل الله (إِنَّ في خَلقِ السَمَواتِ
وَالأَرضِ وَاِختِلافِ اللَّيلِ وَالنَهارِ لآياتٍ لأُولي الأَلبابِ).
قوله تعالى (فَاِستَجابَ لَهُم رَبُّهُم) الآية. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم
النصراباذي قال: أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن سوار
قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن سلمة بن عمرو بن أبي سلمة
رجل من ولد أم سلمة قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في
الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى (فَاِستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنّي لا أُضيعُ عَمَلَ
عامِلٍ مِّنكُم مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى) الآية. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن
ابن عون محمد بن أحمد بن ماهان عن محمد بن علي بن زيد عن قوله تعالى (لا
يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبَ الَّذينَ كَفَروا في البِلادِ) نزلت في مشركي مكة وذلك أنهم
كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين: إن أعداء
الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت هذه الآية.
قوله (وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ) الآية. قال جابر بن عبد
الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي وذلك لما مات نعاه جبريل عليه السلام
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأصحابه: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم فقالوا: ومن هو فقال:
النجاشي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض
الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لأصحابه:
استغفروا له فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط
وليس على دينه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن
جعفر بن مطر إملاء قال: أخبرني جعفر بن محمد بن سنان الواسطي قال: أخبرنا أبو هاني
محمد بن بكار الباهلي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال: قال نبي
الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي فقال بعضهم لبعض:
يأمرنا أن نصلي على علج من الحبشة فأنزل الله تعالى (وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ
لَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ وَما أُنزِلَ إِليكُم) الآية. وقال مجاهد وابن جريج وابن
زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اِصبِروا وَصابِروا) الآية. أخبرنا سعيد
بن أبي عمرو الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: حدثنا محمد بن معاذ الباليني
قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي قال: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرنا
مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن
عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية (يا أَيُّها الَّذينَ
آَمَنوا اِصبِروا وَصابِروا وَرابِطوا) قال: قلت لا قال: إنه يا ابن أخي لم يكن في
زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثغر يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. رواه
الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي محمد المزني عن أحمد بن نجدة عن سعيد بن منصور
عن ابن المبارك.
|