على أنغام رائعة فيروز "القدس لنا" وفي ضوء الشموع اعتصم مساء أمس أكثر من ألفي أردني مسلمين ومسيحيين لا سيما من الطائفة الأرثوذكسية احتجاجا على بيع أوقاف كنسية لمستثمرين يهود في القدس الشرقية.
وطالبوا الحكومة الأردنية بالتدخل لإبطال صكوك البيع كما نادوا بعزل الرئاسة اليونانية عن البطريركية المقدسية.
على مدار ساعتين رفع المعتصمون يافطات بالعربية واليونانية والإنكليزية تندد بعملية البيع وتؤكد على عروبة القدس.
"بكم من الفضّة بعتنا يا (البطريرك اليوناني) أيرينوس؟" قرأت إحدى اليافطات بالإنكليزية في تشبيه إلى يهوذا الإسخريوطي الذي تتهمه الكنيسة بأنه سلم المسيح إلى جند الرومان قبل ألفي عام نظير ثلاثين قطعة من الفضّة.
إحدى المشاركات المسلمات أكدت أن القدس قضية وطنية مشددة على تكاتف وترابط المسلمين والمسيحيين في مواجهة "مخططات تهويد المدينة المقدسة".
وألقى الأرشمندريت حنا عطا الله كلمة عبر الهاتف من القدس طالب فيها الرئاسة الروحية بالتراجع عن الصفقة قائلا أن "أوقافنا ليست معروضة للبيع".
من جانبه جدّد رئيس المجلس المركزي الأرثوذكسي المختلط في الأردن وفلسطين رؤوف أبو جابر الدعوة إلى تعريب الرئاسة الروحية لأقدم كنيسة في العالم وطالب بوقف "الفساد المستشري في البطريركية".
وتشكل الأوقاف المسيحية في القدس الشرقية ربع الأبنية والمقدسات داخل الأسوار التي تقدر مساحتها ب 1000 دونم.
الأرشمندريت حنا عطا الله: "أوقافنا ليست معروضة للبيع". |
وطالب المعتصمون بمحاسبة المسؤولين عن صفقة بيع ساحة عمر بن الخطاب التي وصفها أبو جابر بانها "عزيزة على قلوبنا جميعا مسلمون ومسيحيون"، وهي تقع قرب باب الخليل بما في ذلك فندقان و27 متجرا.
وكان البطريرك إيرونيوس الأول الذي انتخب على رأس الكنيسة الأورثوذكسية قبل ثلاثة أعوام قد اعتبر الصفقة باطلة مشيرا إلى أنها تمت دون معرفته وموافقته.
من جانبه، أكد رئيس الجمعية الأرثوذكسية إيليا نقل أن أتباع الطائفة الأرثوذكسية "يرفضون بالمطلق" إجراءات بيع الموقع المقدس معتبرا أنه " يساهم في ضياع حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه المغتصبة".
وطالب نقل "بجرد جميع أملاك الكنيسة الوقفية في فلسطين لا سيما في القدس والتحقق من وجود أي عقود سرية لبيع أو تأجير أو التصرف بهذه الأملاك والجهات التي يتم التعامل معها".
وأثارت الصفقة الأخيرة استياء الرعية الأرثوكسية والتي تضم 250 ألف شخص على ضفتي نهر الأردن، إذ طالبوا بتفعيل قانون بطريركية الروم الأورثوذكس المقدسة رقم 27 لعام 1958" وذلك لضمان مشاركة أوسع للرعية العربية في إدارة شؤون البطريركية.
وتطالب مواد القانون، الذي صدر في عندما كانت الضفة الغربية جزءا من الأردن، بسيامة مطارنة عرب ويكونوا أيضا أعضاء في المجمع الكنسي المقدس.
ويضم هذا المجمع 17 كاهنا يونانيا يتمتعون بالجنسية الأردنية وآخر عربي أردني، وهو مكلف بتنفيذ سياسات الكنيسة في إسرائيل وفلسطين والأردن.
وتخضع الاوقاف الاسلامية والمسيحية في القدس لإشراف الحكومة الاردنية.
وفي عام 1988 فك الأردن ارتباطه القانوني والإداري مع الضفة الغربية إلا أنه أبقى على إدارة الأماكن المقدسة خشية حدوث فراغ قبل تسليم السيادة للفلسطينيين في تلك الأماكن.
كذلك أقرت إسرائيل في معاهدة السلام عام 1994 بأن "للأردن وضع خاص فيما يتعلق برعايته للأوقاف الاسلامية المسيحية والحفاظ عليها".
ووقع 67 نائبا الأسبوع الماضي عريضة تطالب بتنحية البطريرك وإحالته للقضاء لعدم اكتراثه في المهام التي أوكلت إليه.
وتطالب مواد القانون أيضا البطريركية بأن تعرض ميزانيتها السنوية على المجلس المختلط المكون من رجال دين ووجهاء طوائف وعلمانيين في الضفة الغربية والأردن، وقبول عدد ملائم من أفراد الرعية الأرثوذكسية في الأخوية التي تضم كافة رجال الدين في هذه الكنيسة التي تقع داخل أسوار القدس المحتلة.
و قال نائب رئيس أعمال لجنة القدس المنبثقة عن منتدى البيت المقدس ميشيل سنداحة إن المعتصمين أرادوا تسجيل استنكارهم واحتجاجهم على هذه المصيبة التي تصب في خانة تهويد القدس". وطالب سنداحة بدعم حكومي "جدي" مذكرا أن مؤسس المملكة المغفور له الملك عبدالله الأول بن الحسين كان من المؤيدين والمؤازرين للعرب الأرثوذكس في نضالهم مع الرئاسة الروحية.
يذكر أن خلافات بين الرعية الأرثوذكسية وبطريركية الروم الأورثوذوكس بدأت تطفو على السطح أثناء حملة إيرونيوس الانتخابية في عام 2001، في وقت اتهم سلفه ثيودوروس بأنه كان يؤجر ممتلكات البطريركية للإسرائيليين.
ولا تزال الرعية العربية تشكو من قلة تمثيل لها في البطريركية في وقت يقول فيه رجال دين يونانيون بأنهم حافظوا على الأماكن المقدسة منذ الحكم العثماني.
يذكر أن البطريرك صفرونيوس العربي الدمشقي سلم مفاتيح القدس للخليفة عمر بن الخطاب، إيذانا ببسط العهدة العمرية منذ سنة 638 ميلادية.
وتولى بعده 70 رجل دين من بلاد الشام الكرسي البطريركي إلى أن تسلم البطريرك اليوناني جرمانيوس سلطة الكنيسة عام 1534. مذذاك، حرم البطاركة اليونان العرب من أي فرصة للمشاركة في الرئاسة الروحية.
المصدر: